حلول مبتكرة

جون إدواردز.. ثمار عديدة لبذرة خير واحدة

لا تزال أجنحة الفضاء الأزرق تدهشنا بقدرتها على نشر بذور المبادرات إلى أركان العالم، خاصة إذا كانت تلك البذور تحمل الخير والنفع للناس، خير يتجرد له أصحابه، فيجعلون منه “مصدرا مفتوحا” لا حدود ولا قيود على الاستفادة منه. و”مشروع الطعام مجاني Food is Free Project” الذي دشنه الشاب الأمريكي جون إدواردز John Edwards رسميا في يناير من عام 2012، هو خير مثال على ذلك.

يحكي جون والذي يعيش في مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية في حوار أجري معه عام 2015 فيقول أن الأمر بدأ حينما كان يمارس عملا في مجال المبيعات في محاولة منه لسداد بعض ديون التعليم الجامعي التي على كاهله، وفي هذا الوقت أهداه صديق له بعض البذور، وبالرغم من أنه لم يكن يفكر كثيرا في البذور في ذلك الوقت إلا أنه قرر أن يزرعها، ولقلة خبرته بالزراعة فإنه وقع في البداية في الكثير من الأخطاء، إلا أنه انتهى به الأمر لزراعة قليل من الجزر الصغير والبنجر.

وفي هذا الوقت تقريبا عرض مساحة فارغة من الأرض على تعاونية للزراعة الحضرية، وفي أحد الأيام جاء ما يقرب من 50 فردا، وزرعوا تلك المساحة في 6 ساعات بالبطاطس، وتشاركوا معا وجبة من الطعام، وهنا شغل الأمر تفكير جون، فصار يفكر لماذا لا يفعلون ذلك سويا نهاية كل أسبوع، وماذا لو أن جيرانه بالشارع كانوا يزرعون محاصيلهم ويتبادلونها فيما بينهم، وصار يقرأ الكثير من الكتب، ويشاهد أفلاما وثائقية، وعندها أدرك عورات النظام الغذائي، وكيف أن العودة إلى نظام غذائي محلي حيث يزرع الناس ما يحتاجونه يبدو منطقيا. حينذاك بدأ في زراعة حديقته الثانية في الفناء الأمامي للمنزل، على الرغم من أنه كان لديه الكثير من المساحة في الفناء الخلفي الخاص للمنزل. وقد دفع ذلك العديد من الجيران للتفاعل معه بينما كانوا يسيرون بجواره، إلى أن أبلغته جارة له يوما أن رؤيتها له يزرع حديقته الأمامية ألهمها أن تفعل مثله، وألهم ذلك صديقاتها أن يفعلن فعلها، ولم يكن جون قد تحدث إليها من قبل.

حينئذ أدرك قوة تأثير ما يفعل. ومن ثم ألهمه كلامها التفكير فيما يمكن أن يحدث لو أن منازل الحي جميعا قد زرع سكانها حدائقهم الأمامية، ومن ثم قام بتجميع عدد من الأصدقاء وقاموا ببناء مجموعة من أحواض الزراعة المنخفضة مستخدمين بضعة ألواح خشبية مهملة ومواد أخرى، بحيث يمكن توفيرها لمن أراد مجانا، وفي أحد أيام يناير 2012 نظم حفلا لتدشين المشروع، وفي غضون خمسة أسابيع أصبح معظم بيوت الحي يزرعون حدائقهم الأمامية، ويوفرون ثمراتها مجانا لمن يشاء، وبدأ جون في التدوين حول التجربة على الإنترنت، وفي تشجيع الآخرين على أخذ الفكرة وتنفيذها أمام منازلهم، وبعد 6 أشهر جاءته أول رسالة إلكترونية من شخص يعيش في تسمانيا بأستراليا ويريد أن يطلق فرعا جديدا لمشروع الطعام مجاني، ومنذ ذلك الحين أصبح مشروع الطعام ينتشر في 300 مدينة حول العالم، وأصبح موقع المبادرة يقدم الدعم والإلهام لكل الراغبين في تنفيذ المشروع لديهم، ويجيب على أسئلتهم، ومن بين ذلك تقديمه لدليل مجاني لكيفية بدء مشروع جديد للطعام المجاني حيثما تعيش.

المبادرة التي بدأت فردية من جون إدواردز، ثم مجتمعية في إطار الحي الذي يعيش فيه في مدينة أوستن تحولت إلى مشروع عالمي، ومؤسسة غير ربحية وفقا للقانون الأمريكي. يعمل المشروع على تنمية المجتمع وتوفير الطعام، ويساعد أفراد المجتمع على الاستقلال عن النظام الزراعي والغذائي الشائع.

ويساعد على التواصل بين جيران الشارع والحي الواحد من خلال حدائق ساحة الفناء الأمامية التي توفر حصادها مجاناً لأي شخص، حيث يتم بناء الحدائق وعرض ثمارها مجاناً باستخدام الموارد المتاحة التي كان من الممكن أن تتوجه إلى مكب النفايات. هذه الحدائق تحتاج إلى القليل فقط من الصيانة، وتحتاج فقط إلى الري بالماء كل 2 – 4 أسابيع.

وتقدم هذه الأداة البسيطة للناس طريقة سهلة للغاية لتنمية الأغذية العضوية بالقليل من العمل.

وتشجع الجيران على التفاعل والتواصل وتعزيز مجتمعاتهم مع تمكينهم من زراعة أغذيتهم. حيث يلتقي الجيران معًا من أجل إنشاء طاولات الطعام المجاني، وإنشاء برامج لمشاركة أدوات الزراعة، وإنشاء مكمورات مجتمعية للتسميد الطبيعي، مع إنشاء أحياء أكثر أماناً وجمالًا. ولا يشجع المشروع فقط على إنشاء حدائق مجانية في الأفنية الأمامية للمنازل، ولكن يشجع على زراعة الغذاء في الأماكن العامة غير المستخدمة بالأحياء، فضلا عن ساحات المدارس، والمساجد والكنائس، والمشاريع الصغيرة الخاصة، وكل مساحة أخرى متاحة، بما يوفر فرصًا للناس لتجربة الطعام الطازج والصحي والعضوي ولاستعادة عافية المجتمع عندما يجتمع أفراده معًا من أجل قضية تتجاوز مصالحهم واهتماماتهم الشخصية.

وإذا مددنا فكرة المشروع على استقامتها، فإنها يمكنها أن توفر فرصا هائلة لتنمية المجتمعات الفقيرة، وليس فقط المجتمعات الغنية التي يتوافر لأصحابها حدائق وأفنية خلفية وأمامية، وذلك من خلال دعم ومعاونة المشاريع والمبادرات الخيرية للناس، من خلال توفير بذور طبيعية وعضوية، وتعليم الناس كيف تستخدمها في زراعة كل ما هو متاح ومتوافر لديها من مساحات خاصة وعامة، بما يوفر غذاءًا صحيا وترابطا مجتمعيا الناس في أمس الحاجة إليهما.

د. مجدى سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى